سئل فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته بارك الله فيكم شيخنا. هل يجوز لي رفض أي أحد يتقدم لخطبتي لأجل الانتهاء من حفظ القرآن الكريم و طلب العلم الواجب فقط و تنقية قلبي بالمواظبة على بعض المستحبات ، فبالإضافة إلى أن الزواج يشغل كثيرا من الوقت أنا أخشى أن أضيع بعد الزواج ولا تقوم لي في التزامي قائمة إذا تزوجت على هذه الحال من الجهل خصوصا أن الغالبية يصيبها بعض الفتور و لا أضمن أن من يتقدم لي يكون ديّنا خيرا يعلمني ما أجهله من أمر الدين و إن كان فلا أضمن أن يتسع وقته لتعليمي . جزاكم الله خيرا و أسألكم الدعاء.
فكان الجواب :
الحمد لله
المبادرة بالزواج أمر مطلوب شرعاً لمن استطاع ، ويتأكد هذا الأمر في حق الشباب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) .
قال النووي :
"وَفِي هَذَا الْحَدِيث : الْأَمْر بِالنِّكَاحِ لِمَنْ اِسْتَطَاعَهُ وَتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسه , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ"
انتهى .
وقال الشيخ ابن باز :
" نصيحتي لجميع الشباب والفتيات البدار بالزواج والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه ، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ... الحديث) متفق على صحته . وقوله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) . أخرجه الترمذي بسند حسن . وقوله عليه الصلاة والسلام : (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ). خرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان ، ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، من غض البصر وحفظ الفرج وتكثير الأمة والسلامة من فساد كبير وعواقب وخيمة " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3 / 141) .
والواقع أن الزواج قد يشغل عن طلب العلم ، ولكن ذلك ليس بلازم ، فقد يكون الأمر بالعكس ، فهناك من حفظت القرآن بعد الزواج ، وتعلمت وتفقهت بعد الزواج .
والمطلوب منك أن تحسني الاختيار ، فتختاري صاحب الدين والخلق ، الحريص على التفقه في الدين ، حتى يعين كل منكما الآخر على طاعة الله تعالى .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
إني متزوج والزواج سنة ، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، هل أستطيع أن أطلق زوجتي لأذهب إلى طلب العلم ؟
فأجابوا : "الزواج من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه يكمل المرء دينه ، حيث يغض بصره ويحفظ فرجه ، فلا ينبغي لك أن تطلق زوجتك ، والزواج لا يمنعك من طلب العلم إذا وجد منك قوة العزيمة" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20 / 5) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هناك طالب علم شرعي يريد أن يتزوج ولكنه يخشى إن تزوج أن يتعطل وينشغل عن طلب العلم ، فما نصيحتكم له ؟ وماذا تشيرون عليه إذا أراد ترك الدراسة للجهاد ؟
فأجاب رحمه الله :
"الزواج لا يعوق عن طلب العلم ، بل ربما يعين على طلب العلم ؛ قد يوفق الإنسان لامرأة تقرأ وتكتب وتساعده ، فإن لم تكن فأقل ما يكون أن يذهب عنه الوساوس والتفكير في الزواج ، فالزواج يعين على طلب العلم" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (48 / 18) .
ثم ينبغي أن تعلمي أن القدر الواجب تحصيله من العلم ، لا يحتاج إلى تأخير الزواج ، لأن هذا القدر لا يحتاج إلى سنوات لتحصيله ، بل يستطيع المسلم تحصيله في مدة يسيرة جداً ، وستجدين بعد الزواج إن شاء الله من الوقت ما تستطيعين تحصيل العلم الشرعي فيه .
فالنصيحة لك : إذا تقدم لك من هو مرضي الدين والخلق أن تقبليه .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ويوفقك للعلم النافع والعمل الصالح .
و قد أجاب فضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم على سؤال مشابه بقوله :
المرأة يصلحها الزواج برجل تقي يعينها على طاعة الله، «فإذا آتاكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلون تكن فتنة في الأرض و فساد كبير» وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، ولابد من شمولية النظرة والجمع بين الواجبات والمستحبات اليوم وغدًا ، نعم النكاح رق كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها - فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته، ومع تقديري لتخوفك، ولكن احرصي على الجمع بين المصالح، وما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق
وفق الله الجميع لما يحب و يرضى
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
قال تعالى : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) { الحديد }
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الا إن الناس لم يؤتوا في الدنيا شيئا خيرا من اليقين والعافيه فسلوهما الله عز وجل "
وقال الحسن : " صدق الله وصدق رسوله باليقين هُرب من النار وباليقين طُلبت الجنة وباليقين صُبر على المكروه وباليقين أُديت الفرائض وفي معافاه الله خير كثير قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية فاذا وقع البلاء تباينوا " .