ينبوع الحب عضو نشيط
عدد المساهمات : 24 تاريخ التسجيل : 19/06/2010
| موضوع: أمومة وهمية الخميس يوليو 01, 2010 4:35 pm | |
| أمومة وهمية شعرت برعشة الغربة وأنا في غرفة الغربة, عندما كنا نهم بالذهاب للسوق,فقد خرجنا من العمل باكرًا هذا اليوم,وقررنا أن نمر بالسوق لتشتري بعض الحاجيات الضرورية لها, وبطريقها ستشتري لي هدية صغيرة متواضعة, كانت سوداء اللون لكن من بلد عربي كانت ساحرة وجذابة وقليلة الكلام, ومع ذلك غنت لي أغنية حسب عادات بلدها ترحيبًا بي, وعندما وصلنا شقتها, فهذه الليلة قررت أن تستضيفني في بيتها المتواضع الهادئ كما قالت تلك الليلة, لقد اشترت أغراض كثيرة لذلك لازمنا التعب وتملك منا, ومع ذلك سهرنا لوقت متأخر نأكل ونغني ونتحدث عن حياتنا ومذكراتنا, ثم أرتني شقتها كلها, كل غرفة وكل زاوية وكل ذكرى, لا تكاد تخرج من الحائط الذي يتشقق من رطوبة الآهات الحارقة الخانقة, التي شعرت بها منذ دخولي البيت, وبعد زيارتي الميدانية لغرف الشقة, استأذنتني لتدخل الحمام بعد كل هذا التعب لتمحوه من بين ضلوعها التي نستها منذ سنين, وبقيت وحدي للحظات, حيث رأيت سرير لطفل حديث الولادة كان من المفروض أن يكون لمولودها القادم,وذلك قبل وفاة زوجها في حادثة غامضة ومن حزنها الشديد عليه فقدت الجنين, وبقيت وحيدة في هذا البيت الفارغ, وتابعت ترحلي بين محتويات الزوايا الخجولة, بينما هي ما زالت في حمامها, عندما مررت قرب بابه, ولمحت على الأرض طفلة في الشهور الأولى من عمرها, تضحك وتلعب خلف حاجز شفاف, لذلك لم أستطع الوصول لها, فخفت كثيرًا بل ارتجف جسدي كله من خوفي, وذهبت إلى الداخل وأنا لا أشعر بقدمي أنها لا تحملني, وبعدما خرجَتْ أخفيت خوفي, وجلسنا في غرفة الجلوس نتحادث من جديد ونعيد نفس الكلام القديم, ولم أحاول إخبارها بشئ, حتى جاءت طفلة في الخامسة من عمرها وجلست قربها ونادتها أمي, عندها طار عقلي مما رأيت, بل من هول ما رأيت, ولم أتكلم ولم أفتح فمي كأن لساني أصبح مقيداً أو ليس لي, بقيت أنظر وأسمع وكأن أمامي لغز تكريتي, ولم أجعلها تلاحظ علي لا حركة ولا استفسار, وفركت عيوني فقالت إنه النعاس لندخل للنوم, وكأني رجل آلي مشيت معها قادتني نحو سريري, وبعد سهر طويل هد الحيل والميل أنفاسي, فاستسلم جسدي لأحلام الرحيل عن العالم الذي كان فيه, ولم أشعر إلا والصباح يدق علي الباب, ويزقزق من فرحته فوق رأسي, فاستيقظت ولم أجدها في البيت وخفت من جديد, وكأنها أحضرتني بيتها لأشاهد فيلم رعب على أرض الواقع, أوربما كنت هذه الليلة على موعد مع إثارة الخوف اللذيذة, والوحيدة التي تجعل شعر رأسي واقفًا كشجرة لا تموت إلا واقفة, ولم أصدق أنها تركتني نائمة وذهبت العمل وحدها, ربما لاحظت كم كنت متعبة بالأمس, فتركتني لأرتاح فالعمل لن يهرب, ونهضت من نومي بصعوبة, وبينما كنت أخرج من الغرفة سمعت صراخ قوي قادم من بيت جارتها, فخرجت لأرى ما القصة, كانت الإمرأة غارقة في دمها, بل الدماء تغطي كل شئ وكل مكان, وباب بيتها وباب بيت صديقتي, ولا أدري لما شعرت أني من قتلها, بينما دمائها تزحف بين أصابعي وتطير حولي, ارتعدت أضلاعي وظننت أنها خُلعت مني, وشُلت قدماي بعد ذلك عن الزمان, وتوقفت عقارب أفكاري عن الدوران, وطار من بين شفتي لساني مودعاً فمي وكأنه راحل بلا عودة, وبينما كنت في حالة اللاإدراك, جاء صوت ملاك, من وجداني صوت شخص يقول لي لقد انتحرت, كانت طول الليلة تبكي وتنادي أمها المتوفية منذ زمن, والتي كانت فخورة بها جداً, لكن لا شئ يدوم, وبعد يومين رأتها تجلس مع أشخاص تضحك وتتحدث, وكأنها لم ترحل عنها, كان الحديث عن غربتها وإحساسها بها, وفجأة مر الوقت ولم تعد صديقتي وفات وقت عودتها, مما جعلني أقلق كثيرًا اتصلت بهاتف العمل كان الخط معطل, وتأخر الوقت أكثر وفقدت الأمل في عودتها, وغالبني النعاس الذي لم يأتي في وقته, وما باليد حيلة, وبينما كنت ذاهبة للنوم دق جرس الباب, فتحت دون خوف ولم أتردد ولم أجد أحد على الباب, بل وجدت رسالة من فتاة في العاشرة من عمرها, لم يذكر شئ في الرسالة, بل مجرد صورة مبللة بالياسمين, عانقت عيناي, وقالت لي لقد عادت إلى وطنها, فالغربة ذبحتها والوحدة دفنتها وهي حية, حتى انتحرت وغرقت في دمها يداي, واشتاقت لبناتها الثلاث, وهي الآن معهن تعانقهن بفرح وسرور, وترسل بتحياتها الغامرة إليك, فقد كانت تتواصل كل ليلة مع صديقة وهمية عبر الانترنت, ثم بعد فترة عرفت بأن اسمها كان وهمية,التي بعدما قبلت ابنتها الصغرى وتمنت لها أحلام سعيدة, مضت نحو غرفتها بعد بضع أميال عنها, وتناولت دواءها كالعادة وقررت الاستسلام للنوم, لكن صوت غريب أقلقها, وفجأة لمحت شئ ما في الطابق السفلي, فعرفت أنه لص, فعادت لغرفة ابنتها أيقظتها, دون أن تخيفها, واختبأتا تحت السرير, لكن اللص صعد فوق وعرف مكانهما, فدفع بالسرير محاولاً إخراجهما من تحته, واستطاعت وهمية وبقوة دفعه بعيدًا, حتى جعلت ابنتها تهرب للأسفل, وتعاركت معه بعنف حتى تمزقت ثيابها, وهي تحاول حماية ابنتها, وتبقي اللص بعيدًا عنها, واستطاعت التخلص منه ولحقت ابنتها تحت في المطبخ, وتحت الرفوف كانت هناك غرفة صغيرة, مبنية خصيصاً للاختباء لكذا أمور طارئة, وخبأت وهمية ابنتها فيها, ثم تابعت عراكها مع اللص, الذي لم يكل ولم يمل, وفي النهاية وبعد عراك دامي, استطاعت قتله لكنها فقدت الوعي بسبب جروحها التي تنزف دون توقف, وصباحًا لاحظ الجيران آثار شئ غريب كان قد حدث في بيت جارتهم ليلة الأمس, ومباشرة اتصلوا بالشرطة الذين جاؤوا على الفور وكأنهم كانوا خلف الباب, ثم انتهى كل شئ انتهى كابوس وهمية وأنقذت ابنتها, من هذا الذئب البشري المتوحش, لكنها كانت ما تزال فاقدة للوعي, ولم تستيقظ حتى صباح اليوم التالي, وما إن فتحت عينيها حتى صرخت, ابنتي ابنتي..؟؟ وبسرعة أخبرت الشرطة عن مكان ابنتها, وفي البيت لم تجد الشرطة أي أثر للابنة, ولا حتى صورة لها, ولا أي دليل يدل على أن هناك ابنة تعيش في هذا المنزل, وعند سؤال الجيران تبين أنهم لا يعرفون شيئاً, عن وجود ابنة أو أي شئ آخر,كما أن التحاليل في المشفى التي قضت فيها وهمية ليلتها الفائتة, أكدت عدم تعرضها لأي عراك مع اللص, بل قتلته مباشرة وبغتة, وفي صباح اليوم التالي استيقظت وهمية والأصفاد في يدها, استيقظت وهي مقيدة, وبسرعة ذهلت عيناها, ولم يخرج السؤال من لسانها, ووجدت نفسها متهمة بقتل رجل وبإخفاء ابنتها, وماذا ستفعل وهمية الآن, ولا أحد يصدقها أبدًا مهما فعلت, وكل لحظة تسأل نفسها أين ذهبت ابنتها, التي كادت تسقط من أعلى الجبل للوادي, الذي مات فيه والديها وهي صغيرة, لكن أمها الحقيقية كانت تقف وراءها, ولم تراها, لأنها كانت تفكر بالقتلة الذين أجبروا والديها على الانتحار, وعندما شعرت الابنة بان أمها الحقيقية تقف خلفها, عادت إلى حلمها, بعدما شعرت أنها ستعيق حياة أمها, وتشدها نحو الخطر والمصائب, ولكن في النهاية, لم يهون عليها بفتاتها, فعادت إلى الغرفة, تحت الرفوف, التي في المطبخ, التي في الغربة......
| |
|